top of page

الطائرات المسيّرة: التهديد الخفي الذي يعيد تشكيل الأمن العالمي....

drone_autonome

في زمن تتسارع فيه الابتكارات التقنية، أصبحت الطائرات المسيّرة (الدرونز) أحد أبرز التحديات الأمنية في العالم.

فبعد أن بدأت كأدوات تصوير واستطلاع مدنية، تحوّلت إلى أسلحة ذكية منخفضة الكلفة وقادرة على زعزعة أمن دول بأكملها.

اليوم، لا تقتصر خطورتها على جبهات القتال، بل تمتد لتطال المطارات، الموانئ، محطات الطاقة، وحتى الحياة اليومية في المدن.

من السماء إلى ساحة الحرب

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً مذهلاً في استخدام الطائرات المسيّرة خلال الصراعات.ففي الحرب الروسية الأوكرانية، لعبت الدرونز دوراً محورياً في الاستطلاع والاستهداف، وأثبتت أن التكنولوجيا يمكن أن تعوّض نقص العتاد التقليدي. وبالمقابل، طوّرت أوكرانيا أنظمة دفاع محلية منخفضة التكلفة تعتمد على الرادارات الصغيرة وأجهزة التشويش وطائرات اعتراضية مسيّرة.

أما في الشرق الأوسط، فقد أثبتت الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر أن الدرونز يمكن أن تُحدث أضراراً استراتيجية ضخمة بتكاليف محدودة، مما دفع القوى البحرية الكبرى إلى إعادة تقييم أمن ممراتها التجارية.

Houth drone

طائرة مسيرة اطلقتها جماعة الحوثي خلال الاحداث الاخيرة 

سلاح الفقراء أم خطر المستقبل؟

تكمن قوة الطائرات المسيّرة في معادلة بسيطة: “كلفة الهجوم أقل بكثير من كلفة الدفاع"

فدرون تجاري لا يتجاوز ثمنه 2000 دولار قد يشلّ مطاراً يخدم ملايين الركاب، بينما يحتاج الدفاع عنه إلى منظومات بملايين الدولارات. هذه اللا تماثلية في التكاليف جعلت الدرونز “سلاح الفقراء” بامتياز، لكن أيضاً “كابوس الأغنياء”.

إلى جانب الدول، الجماعات المسلحة والإجرامية بدأت بتوظيف هذه الطائرات في تهريب السلاح والمخدرات، أو حتى تنفيذ اغتيالات دقيقة.

 أوروبا وأميركا في سباق الزمن

بدأت الحكومات الغربية في تطوير ما يُعرف بـ أنظمة مكافحة الدرونز (C-UAS)، والتي تعتمد على مزيج من التقنيات:

  • رادارات صغيرة قادرة على رصد الأجسام الطائرة منخفضة الارتفاع

  • أجهزة تشويش إلكترونية لتعطيل الاتصالات والتحكم.

  • ليزر عالي الطاقة لإسقاط الأهداف بدقة.

  • مسيّرات اعتراضية تطارد الدرون المعادي وتعمل على تدميره  في الجو.

auds-anti-uav-defence-system

تحالف شركات اوروبي قام بتطوير نظام متقدم يعتمد على الكاميرات وموجهات كهروضوئية  بالإضافة الى الاشعة تحت الحمراء لتتبع الطائرات المسيرة الصغيرة واسقاطها  ولغاية 8 كم 

تركيا كلاعب جديد في مجال الطئرات المسيرة

تعد تركيا اليوم من بين أبرز خمس دول في العالم في صناعة الطائرات المسيّرة، بفضل شركاتها مثل بايكار (Baykar) وتوساش (TUSAŞ).

كما ان الطائرة الأشهر Bayraktar TB2  قد غيّرت قواعد اللعبة في أكثر من ساحة قتال — من ليبيا وسوريا إلى ناغورنو كاراباخ وأوكرانيا — وأثبتت قدرة تركيا على تطوير تكنولوجيا فعّالة وبأسعار أقل من نظيراتها الغربية.

فوفق بيانات 2024 الخاصة بالطائرات المسيرة التركية، فهي تصدر الى اكثر من 30 دولة في العالم فيما يبلغ قيمة صادراتها ما يصل 5.5 مليار دولار

هذا الصعود منح أنقرة نفوذاً سياسياً جديداً، إذ أصبحت قادرة على استخدام التكنولوجيا العسكرية كأداة دبلوماسية، ما جعل بعض الخبراء يصفونها بأنها “دولة سلاح ذكي بامتياز”.

c3410000-0aff

الطائرة التركية الأشهر Bayraktar TB2  غيّرت قواعد اللعبة في أكثر من ساحة قتال في الشرق الاوسط

تهديد البنية التحتية الحيوية

من أكثر ما يقلق الخبراء هو احتمال استهداف البنى الحيوية للدول، ومن البنى التحتية المهمة التي قد تكون تحت مرمى التهديد:

  • المطارات: توقف مؤقت يعني خسائر بملايين الدولارات وفوضى في النقل الجوي.

 

  • الطاقة: خزانات الوقود والمصافي أهداف مثالية لهجمات محدودة التكلفة عالية الأثر.

 

  • الكابلات البحرية ومحطات الاتصالات: أي هجوم عليها قد يشلّ الإنترنت في منطقة بأكملها.

 

ويحذر باحثون في الأمن السيبراني من أن الدرونز المستقبلية قد تجمع بين الهجوم المادي والإلكتروني، عبر تحميل برامج اختراق أو أجهزة تشويش شبكي.

لمواجهة هذه التحديات، يشدّد الخبراء على ضرورة بناء منظومات دفاعية متعددة الطبقات تشمل:

  • رصد مبكر (رادارات، مستشعرات صوتية وبصرية).

  • تشويش أو اعتراض ذكي بدل الاعتماد فقط على النيران.

  • تشريعات واضحة تمنح سلطات الأمن صلاحيات التعطيل ضمن حدود السلامة العامة.

  • تعاون دولي لتبادل البيانات ورصد مصادر الدرونز العدائية.

الطائرات المسيّرة لم تعد مجرّد أدوات استكشاف أو تصوير، بل تحوّلت إلى أداة سياسية وعسكرية واقتصادية تغيّر موازين القوى، والمستقبل القريب سيشهد سباقاً محموماً بين مطوّري هذه التكنولوجيا ومن يحاولون كبح جماحها. 

bottom of page