صناعة السيارات في الصين
لماذا كان صعودها مفاجئًا؟ كيف دعمتها السياسات الحكومية، ماذا استفادت من أوروبا واليابان، والعوامل الأخرى
Ismail Karaki

-
صعود الصين هو نتيجة خطة صناعية على مدى 15 عامًا تزامنت مع سياسات حكومية (إعفاءات ضريبة، بناء شبكات دعم لوجيستي هائلة دعمت سلاسل التوريد مما ادى انخفاض أسعار البطاريات والبرمجيات في السيارات.
-
الصين اليوم تمثل حوالي ثلثي مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا وحوالي 70% من الإنتاج؛ حيث وصلت نسبة السيارات الكهربائية إلى قرابة 50% من مبيعات السيارات الجديدة في 2024. كما تقود شركاتها CATL و BYD سوق البطاريات والمركبات الكهربائية
-
لم يأتِ هذا التطور منفردا؛ بل استفادت الصين من عقود من الشراكات مع أوروبا واليابان من خلال المشاريع المشتركة واستحواذها على العديد من الصانعين الأوروبيين ذوي المكانة التكنولوجية العالية
-
السنتين الماضيتين شهدت تحديات كبيرة للصناعة في الصين: الاتحاد الأوروبي فرض رسومًا جمركية إضافية على المركبات الصينية الكهربائية، ومع ذلك تسعى الشركات الصينية للتصنيع المحلي بأوروبا والدخول في تحالفات جديدة.
لماذا يبدو الصعود مفاجئًا؟!
هو في الواقع ليس مفاجئاً!! ولكنه كان نتيجة خطط طويلة المدى عملت عليها الصين لسنوات طويلة قبل ان يبدأ تأثيرها على العالم بقوة هذه الأيام.
تاريخ الصين في صناعة السيارات يمكن اعتباره حديث عهد، اذ بمجرد البدء في انتاج بعض الطرازات نهايات العشرينات من القرن الماضي حتى تعرضت البلاد الى مجموعة من الاحداث من أبرزها الغزو الياباني، حيث دمرت اليابان معظم مصانع السيارات التي كانت محدودة بالفعل مقارنة مع الطفرة التي كانت تشهدها الدول الغربية آنذاك
مع تأسيس الجمهورية والبدء في إزالة مخلفات الجروب التي عانى منها البلد، اتجه تركيز الإنتاج الى الشاحنات وتم اطلاق "Jiefang CA10" وهي نسخة معدلة من شاحنة "زيل 150 بي" الروسية التي اشتهرا في خمسينات القرن الماضي.
.jpg)
شاحنة Jeifang التي انتجت بترخيص من "زيل" التي كانت تنتج في جورجيا في عهد الاتحاد السوفييتي سابقا
انتاج سيارات الركاب بدأ في منتصف الخمسينات مع عدة طرازات من علامة هونشي مخصصة لكبار مسؤولي الدولة أبرزها كان هونشي CA72 التي انتجت ما بين 1958 و1965 التي زودت آنذاك بمحرك من 8 أسطوانات سعة 5،4 لتر وعلبة سرعات اوتوماتيكية من 4 نسب واستمرت بديلتها المشابهة لها في الإنتاج لنهاية التسعينات.


بداية الثمانينات شهدت تحولا استراتيجيا من الدولة باتجاه انتاج السيارات الغربية في البلاد مع دخول الشركات الأجنبية من خلال مشاريع مشتركة لانتاج السيارات ومنها شركة جيب التي أصبحت تنتج طراز شيروكي هناك من خلال عقد يمتد لمدة 20عاما
كذلك وقعت الصين اتفاقيات تجارية مع فولكس فاجن وانتجت طراز سانتانا الذي كان من اشهر السيارات وأكثرها انتاجا خلال فترة الثمانيات والتسعينات والتي انتجت بالتعاون مع SAIC وبقيت التسمية على مدار أجيال لغاية عام 2022 وكانت اكثر السيارات تعبيرا عن انتشار الطبقة الوسطى في المجتمع الصيني

طراز سانتانا من فولكس فاجن الذي كان اشهر الطرازات في ثمانيات القرن الماضي وهو نسخة بقاعدة عجلات من باسات
ثورة صناعة السيارات في الصين
عملت الصين منذ ما يقرب من 15 عاما على دعم صناعات السيارات وركزت بالدرجة الأولى على السيارات الكهربائية وصناعة البطاريات ففي الفترة ما بين عامي 2009 و2012 تم إطلاق برنامج تجريبي للسيارات الكهربائية في 13 مدينة كبيرة بينها العاصمة بكين وشنغهاي، وشمل هذا البرنامج دعم مادي مقداره 60 الف يوان لاي مشتري لسيارة كهربائية
المرحلة الثانية من عام 2012 الى 2015 كانت ما يعرف بخطة المركبات الجديدة للطاقة New Energy Vehicles حيث تم التركيز على مصطلحات جديدة مثل PHEV وBEV وغيرها ومن ثم وضع هدف انتاج 500,00 سيارة كهربائية لغاية عام 2015 و5 ملايين مركبة بحلول عام 2020
في الفترة ما بين عامي 2015 و2017 أدخلت صناعة السيارات الكهربائية ضمن الصناعات الاستراتيجية العشرة وتم اشتراط ادخال نسبة معينة للمكونات المحلية لغايات الحصول عبى دعم مالي من الحكومة الصينية التي قامت أيضا بتقديم دعم خاص لكل من BYD و CTAL لتعزيز عملياتهم في تطوير البطاريات
الفترة من 2017 الى 2020 شهدت فرض سياسات اجبارية على الشركات لربط كفاءة استهلاك الوقود بإنتاج عدد محدد من السيارات الكهربائية بالإضافة الى تشديد إجراءات الحصول على لوحات مركبات تعمل بالوقود لصالح تسهيلها على لوحات المركبات الكهربائية.
في عام 2020 أعلنت الحكومة الصينية هدف خطة طويلة المدى تستمر لغاية 2035 هدفها ان تكون جميع السيارات المنتجة في الصين كهربائية وهجينة فقط مع البدء بتخفيض الدعم المادي المباشر تدريجيا مع الإبقاء على الإعفاءات الخاصة بالمواطنين
ومن أبرز اهداف هذه الخطة تشجيع خطط الاندماج بين الشركات من خلال الدور الاشرافي لState-owned Assets Supervision and Administration Commission) SASAC (التي طلبت من الشركات بشكل علني ان تبحث في أنجع الطرق وأسرعها لتحقيق اكبر قدر من الاندماجات في الصين، حيث كان هناك بالتوازي ضغط من كبار المسؤولين الحكوميين هناك على الشركات لغايات تنظيم نفسها استراتيجيا، مع العلم ان السلطات في الصين تتجاوز حدود المراقبة الى حدود تصميم وتنفيذ هذه الاندماجات للحصول على افضل نتائج لها على المدى المتوسط والبعيد

تصاميم اخاذة لمقصورات الركاب اصبحت تميز السيارات الصينية

بي واي دي يو 8 التي تتميز بقدرات خارقة سواء بالطفو على الماء أة ادائها على الطرقات الوعرة

الشاشات الممتدة اصبحت ميزة دارجة في السيارات الصينية
هل استفادت الصين من أوروبا واليابان
كانت أوروبا واليابان على المدى البعيد رائدتين في صناعة السيارات من خلال تاريخ طويل من الابتكارات والتقنيات، والأوروبيين كانوا على صلة وثيقة مع الصينين من حلال شراكات عملاقة بدأت مع فولكس فاجن في عام 1984 التي وقعت اتفاقية آنذاك مع الحكومة الصينية لانتاج سيارات ركاب لمدة 25 سنة
اما اليابانيين فقد كانت خطواتهم حذرة بالرغم ان تزويدهم الشركات المحلية الصينية بمحركات ذات نسخ قديمة لتزويد السيارات المحلية بها نظرا للفارق التقني الكبير بين الصانعين في كلا البلدين
الزمت الدولة الصينية على مدى سنوات طويلة الشركات الأجنبية بمشاريع مشتركة مع الشركات المحلية في الصين ومنها:
-
المشاريع المشتركة الإلزامية (JVs): فرضت على شركات مثل فولكس فاجن وتويوتا وجنرال موتورز التعاون مع شركاء محليين مثل "فاو" و " سايك"
-
الاستحواذات والتطوير المشترك:
-
جيلي–فولفو: استحوذت جيلي على فولفو السويدية في عام 2010 بعد مفاوضات استمرت اكثر من عامين تخللها اعتراضات من قبل الاتحاد الأوروبي تم تسويتها لاحقا وامام الصفقة الى بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار
-
سايك–MG استحوذت سايك على MG البريطانية بشكل كامل في عام 2007 بعد ان كانت تشتري من الشركة الإنجليزية هياكل سيارات Rover 75 وغيرها من السيارات وتنتجها في الصين، بعد ذلك بدأت عمليات التصدير الى الخارج ابتداء من عام 2008
-
تويوتا–BYD: تطوير سيارة bZ3 باستخدام بطاريات BYD.
-
فولكس فاجن–XPeng: تعاون جديد لتسريع إنتاج سيارات كهربائية موجهة للصين.
-
ستيلانتيس–Leapmotor: شراكة للتصنيع والتصدير إلى أوروبا لكنها تصطدم الان بموجة الكساد التي تعيشها خطط انتاج السيارات الكهربائية والمشاكل المالية التي تعاني منها ستيلانتس
-
التحديات المستقبلية
بالرغم من الوفرة في الإنتاج والتقنيات العالية الا ان صناعة السيارات في الصين تواجه تحديات عديدة ابرزها:
-
الرسوم الحواجز التجارية: رسوم الاتحاد الأوروبي (BYD 17%، جيلي 18.8%، سايك 35.3% + الرسوم الأساسية 10%).
-
فرط الإنتاج والربحية: المنافسة الشديدة تضغط على هوامش الأرباح.
-
إعادة معايرة السياسات: الحكومة الصينية بدأت بتقليص بعض الحوافز التصديرية.







